لماذا يحلم أبنائنا بالهجرة ؟!
2 مشترك
صفحة 1 من اصل 1
لماذا يحلم أبنائنا بالهجرة ؟!
لماذا يحلم أبناؤنا بالهجرة !؟
د. خالد سليمان
24/11/2009
يشكل التعميم في العلوم الاجتماعية مغالطة منهجية لا تغتفر، لكنني سـأغامر بالوقوع في مثل تلك المغالطة وأجزم بأن (100%) من شبابنا في الوطن العربي قد فكروا جدياً ذات مرة، أو أنهم ما يزالون يفكرون حتى الآن في الهجرة إلى إحدى مدائن 'الأحلام' البعيدة في عالم الغرب. المشكلة أن ذلك التفكير لا يتخذ صيغة تفكير عقلاني واع يوازي بين حسابات منطقية للربح والخسارة في كثير من الحالات، بل إنه يعبر عن تفكير مشوش مضطرب، يجد صاحبه نفسه مدفوعاً إليه بفعل قوى طاردة جامحة، تجعله يشعر بالحاجة الملحة للهرب، لمجرد الهرب، مثله في ذلك مثل السجين المحكوم عليه بالإعدام، الذي يود بكل قوته الفرار من سجنه، حتى وإن كان يعي في أعماق نفسه بأن فراره ذاك قد يفضي به إلى جحيم آخر، ربما لا يقل فظاعة عن الجحيم الذي يعيش فيه.
انسداد الآفاق وتغلق الأبواب وتقوض الآمال وتضيق الدروب، اقتصادياً واجتماعياً وسياسياً، مظاهر تدفع بالكثير من الشباب إلى الحلم بالهجرة إلى مدن غربية يرونها ـ وقد لا يكون ما يرونه صحيحاً بالضرورة ـ حبلى بما يكاد يعصى على الحصر من الفرص، التي تجعل الحياة جديرة حقاً بأن تعاش.
ففي بلادنا، يتخرج الشاب من الجامعة، هذا إذا كان محظوظاً ولم يتم السطو على مقعده الجامعي بمائة طريقة وطريقة تم فرضها بقوة القانون. ليجد نفسه في مواجهة مباشرة مع وحش البطالة الكاسر. وما لم تسعفه 'واسطة' مقتدرة في إيجاد وظيفة ما، كثيراً ما تكون وظيفة متواضعة براتب هزيل مثير للرثاء ـ ما لم يكن ابنًا لأحد المتنفذين الفاسدين طبعاً ـ فإنه سيظل مجبراً على مقارعة ذلك الوحش المتجبر، دون أمل يذكر في الانتصار عليه في بعض الجولات، ليبقى هدفاً مستباحاً لنظرات وعبارات الرثاء والتعيير والإذلال صباح مساء.
ولكي تكتمل فصول مسلسل معاناة ذلك الفتى البائس، فإن فتاة أحلامه التي تعلق بها قلبه، وتعلق قلبها به إبان دراستهما في الجامعة، تغدو في ليلة ظلماء غاب عنها القمر زوجة لآخر قادم من بعيد، محمل بما يخلب الألباب ويسبي العقول ويذهل الأبصار من الدولارات والوعود، لينكسر قلب صاحبنا المسكين، ويكفر بمجتمعه وبالحب، هذا الذي حرمه من حب حياته بكل قسوة ونذالة، وذاك الذي سقط متخاذلاً أمام سطوة الذهب وبريقه من أول جولة، وبالضربة القاضية.
يحاول صاحبنا المقهور أن يصرخ تجنباً لتشظي القلب واختناق الروح، فيكتشف مذعوراً أنه لا يملك الحق حتى في مجرد الصراخ. ويوماً بعد آخر، ومع تنامي وعيه الشقي، يتيقن منكود الحظ بأنه كائن مقموع وضائع ووحيد، بالرغم من تيهه في شوارع مزدحمة بالبشر، الذين لا يقلون عنه إحساساً بالقمع والضياع والوحدة، فليس ثمة من يمكن أن يسمع شكاواه أو يعيد إليه أحلامه المجهضة وحقوقه المسلوبة، ومن يعيدها بربكم.؟
أتعيدها الأحزاب السياسية المعوقة المنهمكة دونما نجاح يذكر في البحث عن دور يعيد لها بعض ماء وجهها المراق، التي تستجدي الدعم من حكومات لا تؤمن بالعمل الحزبي وتضطهده.؟ أم تعيدها تلك الحكومات نفسها، التي هيمن عليها رجال المال والأعمال، ولم تعد معنية إلا بابتكار المزيد من الحيل الشيطانية لإفقار المواطن ومحاصرته، وإشعاره بأن السجن الكريه الذي يتعفن فيه قابل دوماً لأن يصبح أضيق وأضيق.؟ أم تعيدها ما تُعرف بمؤسسات المجتمع المدني وحقوق الإنسان، هذه اللاهثة في الجري خلف دولارات التمويل الأجنبي، مع ما يرتبط بذلك التمويل من قضايا محفوفة بالشبهات وعلامات الاستفهام.؟ أم تعيدها وسائل الإعلام الصفيقة المأجورة، التي انقطع عرق الحياء في جبين معظمها، فغدت أبواقاً مبتذلة لنفاق الحكومات وتزيين مظالمها وتجميل عيوبها وإخفاء مفاسدها، وباتت تكترث بإشغال الناس بأخبار الغواني والراقصات الخليعات أكثر بألف مرة من اكتراثها بإعلامهم بمعاناة الملايين من البشر، الذين يواجهون شبح الموت كل يوم لعجزهم عن تأمين لقمة خبز؟
قد لا تكون الهجرة هي الحل، وهي ليست كذلك على الأرجح، فالتمتع بحياة كريمة في مدن 'الأحلام' في الغرب ليس بتلك السهولة والبساطة التي قد يتصورها البعض تحت تأثير الصور النمطية السائدة. لكنني قطعاً ـ وأقول هذا بكل أسف وحسرة ـ لا ألوم شـبابنا إذا ما فكروا في الهجرة وبذلوا في سـبيلها الغالي والنفيس، فأن يموت المرء في مدائن الغرب وقد تقدم به العمر في عتمة التهميش والوحدة والغربة وضبابية الهوية، أرحم بكثير من أن ينقصف عمره في وطنه ويموت ـ موتاً حقيقياً أو رمزياً ـ وهو ما يزال في شرخ الشباب، كضحية للقهر والعجز والظلم والفساد، وعلى يد إخوته أنفسهم .
د. خالد سليمان
24/11/2009
يشكل التعميم في العلوم الاجتماعية مغالطة منهجية لا تغتفر، لكنني سـأغامر بالوقوع في مثل تلك المغالطة وأجزم بأن (100%) من شبابنا في الوطن العربي قد فكروا جدياً ذات مرة، أو أنهم ما يزالون يفكرون حتى الآن في الهجرة إلى إحدى مدائن 'الأحلام' البعيدة في عالم الغرب. المشكلة أن ذلك التفكير لا يتخذ صيغة تفكير عقلاني واع يوازي بين حسابات منطقية للربح والخسارة في كثير من الحالات، بل إنه يعبر عن تفكير مشوش مضطرب، يجد صاحبه نفسه مدفوعاً إليه بفعل قوى طاردة جامحة، تجعله يشعر بالحاجة الملحة للهرب، لمجرد الهرب، مثله في ذلك مثل السجين المحكوم عليه بالإعدام، الذي يود بكل قوته الفرار من سجنه، حتى وإن كان يعي في أعماق نفسه بأن فراره ذاك قد يفضي به إلى جحيم آخر، ربما لا يقل فظاعة عن الجحيم الذي يعيش فيه.
انسداد الآفاق وتغلق الأبواب وتقوض الآمال وتضيق الدروب، اقتصادياً واجتماعياً وسياسياً، مظاهر تدفع بالكثير من الشباب إلى الحلم بالهجرة إلى مدن غربية يرونها ـ وقد لا يكون ما يرونه صحيحاً بالضرورة ـ حبلى بما يكاد يعصى على الحصر من الفرص، التي تجعل الحياة جديرة حقاً بأن تعاش.
ففي بلادنا، يتخرج الشاب من الجامعة، هذا إذا كان محظوظاً ولم يتم السطو على مقعده الجامعي بمائة طريقة وطريقة تم فرضها بقوة القانون. ليجد نفسه في مواجهة مباشرة مع وحش البطالة الكاسر. وما لم تسعفه 'واسطة' مقتدرة في إيجاد وظيفة ما، كثيراً ما تكون وظيفة متواضعة براتب هزيل مثير للرثاء ـ ما لم يكن ابنًا لأحد المتنفذين الفاسدين طبعاً ـ فإنه سيظل مجبراً على مقارعة ذلك الوحش المتجبر، دون أمل يذكر في الانتصار عليه في بعض الجولات، ليبقى هدفاً مستباحاً لنظرات وعبارات الرثاء والتعيير والإذلال صباح مساء.
ولكي تكتمل فصول مسلسل معاناة ذلك الفتى البائس، فإن فتاة أحلامه التي تعلق بها قلبه، وتعلق قلبها به إبان دراستهما في الجامعة، تغدو في ليلة ظلماء غاب عنها القمر زوجة لآخر قادم من بعيد، محمل بما يخلب الألباب ويسبي العقول ويذهل الأبصار من الدولارات والوعود، لينكسر قلب صاحبنا المسكين، ويكفر بمجتمعه وبالحب، هذا الذي حرمه من حب حياته بكل قسوة ونذالة، وذاك الذي سقط متخاذلاً أمام سطوة الذهب وبريقه من أول جولة، وبالضربة القاضية.
يحاول صاحبنا المقهور أن يصرخ تجنباً لتشظي القلب واختناق الروح، فيكتشف مذعوراً أنه لا يملك الحق حتى في مجرد الصراخ. ويوماً بعد آخر، ومع تنامي وعيه الشقي، يتيقن منكود الحظ بأنه كائن مقموع وضائع ووحيد، بالرغم من تيهه في شوارع مزدحمة بالبشر، الذين لا يقلون عنه إحساساً بالقمع والضياع والوحدة، فليس ثمة من يمكن أن يسمع شكاواه أو يعيد إليه أحلامه المجهضة وحقوقه المسلوبة، ومن يعيدها بربكم.؟
أتعيدها الأحزاب السياسية المعوقة المنهمكة دونما نجاح يذكر في البحث عن دور يعيد لها بعض ماء وجهها المراق، التي تستجدي الدعم من حكومات لا تؤمن بالعمل الحزبي وتضطهده.؟ أم تعيدها تلك الحكومات نفسها، التي هيمن عليها رجال المال والأعمال، ولم تعد معنية إلا بابتكار المزيد من الحيل الشيطانية لإفقار المواطن ومحاصرته، وإشعاره بأن السجن الكريه الذي يتعفن فيه قابل دوماً لأن يصبح أضيق وأضيق.؟ أم تعيدها ما تُعرف بمؤسسات المجتمع المدني وحقوق الإنسان، هذه اللاهثة في الجري خلف دولارات التمويل الأجنبي، مع ما يرتبط بذلك التمويل من قضايا محفوفة بالشبهات وعلامات الاستفهام.؟ أم تعيدها وسائل الإعلام الصفيقة المأجورة، التي انقطع عرق الحياء في جبين معظمها، فغدت أبواقاً مبتذلة لنفاق الحكومات وتزيين مظالمها وتجميل عيوبها وإخفاء مفاسدها، وباتت تكترث بإشغال الناس بأخبار الغواني والراقصات الخليعات أكثر بألف مرة من اكتراثها بإعلامهم بمعاناة الملايين من البشر، الذين يواجهون شبح الموت كل يوم لعجزهم عن تأمين لقمة خبز؟
قد لا تكون الهجرة هي الحل، وهي ليست كذلك على الأرجح، فالتمتع بحياة كريمة في مدن 'الأحلام' في الغرب ليس بتلك السهولة والبساطة التي قد يتصورها البعض تحت تأثير الصور النمطية السائدة. لكنني قطعاً ـ وأقول هذا بكل أسف وحسرة ـ لا ألوم شـبابنا إذا ما فكروا في الهجرة وبذلوا في سـبيلها الغالي والنفيس، فأن يموت المرء في مدائن الغرب وقد تقدم به العمر في عتمة التهميش والوحدة والغربة وضبابية الهوية، أرحم بكثير من أن ينقصف عمره في وطنه ويموت ـ موتاً حقيقياً أو رمزياً ـ وهو ما يزال في شرخ الشباب، كضحية للقهر والعجز والظلم والفساد، وعلى يد إخوته أنفسهم .
سدرة- عدد المساهمات : 162
تاريخ التسجيل : 30/12/2009
العمر : 32
رد: لماذا يحلم أبنائنا بالهجرة ؟!
مقال رائع ...
سبحان الله !!!
قد أصبحنا في زمن العجائب
أناس يذوقوا المرار والأوجاع لشغفهم لآرض بلادهم
وأناس ......
ما الله عليم بهم
بوركت سدرة ..
سبحان الله !!!
قد أصبحنا في زمن العجائب
أناس يذوقوا المرار والأوجاع لشغفهم لآرض بلادهم
وأناس ......
ما الله عليم بهم
بوركت سدرة ..
Reem- عدد المساهمات : 38
تاريخ التسجيل : 21/01/2010
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى